ماهر أسعد بكر
تشكل مشاهد المخاطرات حيزاً كبيراً في صناعة الأفلام السينمائية و المسلسلات التلفزيونية, و تضفي هذه المشاهد – برغم خطورتها – المزيد من التشويق على حبكة العرض, و بالرغم من خطورة و صعوبة تنفيذ هذه المشاهد, و بالرغم من التدريبات الشاقة التي يمكن أن تستمر لعدة شهور, فإن بعض الممثلين يصرون على أداء مشاهدهم الخطرة بنفسهم, كما نلاحظ في أغلب أفلام النجم توم كروز, و النجم الغني عن التعريف و الحائز على جائزة الأوسكار جاكي شان, ويمكن تقدير صعوبة و خطورة هذه المشاهد من تصريحات شان نفسه و الذي طالما صرح في مقابلاته التلفزيونية أنه كسر معظم عظام جسده أثناء تأديته لمشاهد المخاطرات في أفلامه, حتى أنها تسببت في إحدى المرات إلى كسر في جمجمته و فقدانه للسمع في أذنه.
لم تكن مشاهد المخاطرات في السينما تؤدى بهدف التشويق فقط, فقد كانت الغاية الأساسية منها هو صناعة الكوميديا, فمع بداية السينما الصامتة كانت هذه المشاهد تهدف لخلق مشهدٍ كوميدي قائم على المفارقة بين الخطر و النجاة, و لعل أكبر مثال على ذلك ما يمكن مشاهدته في أفلام العبقري باستر كيتون, و الذي يعتقد النقاد أنه ربما يكون أول مخاطر في تاريخ السينما.
جوزيف فرانك كيتون و الملقب باستر كيتون, كان المنافس الرئيسي لتشارلي شابلن على لقب أفضل ممثل كوميدي في الأفلام الصامتة, و على الرغم من أفلامه كانت أفلاماً كوميدية إلا أنه اشتهر برفضه الابتسام, ليس فقط على الشاشة و لكن امام أي كاميرا و حتى في الأماكن العامة أيضاً فأطلق عليه لقب الوجه الصخري و لعل هذا الأمر هو ما عزز المفارقة و التي كانت سمة أفلامه التي صورت المخاطرة على أنها صورة هزلية, و تماماً كتشاري شابلن, كيتون كان واحدًا من أفضل المخرجين و الممثلين في عصره, فبالإضافة أنه كتب و منتج جميع أفلامه, فقد كان يحسب له تنظيم و أداء المشاهد الخطرة في أفلامه دون الاستعانة ببديل, و على العكس من ذلك كان يؤدي المشاهد الخطرة عن زملائه بما فيهم النساء في أغلب الأحيان.
كان كيتون الوحيد من نجوم السينما الكبار في عشرينيات القرن الماضي الذي نفذ جميع المشاهد الخطيرة في أفلامه، إلا أن ذلك بدأ أبكر بكثير من مرحلة السينما عندما كان لايزال بسن الثالثة من عمره فقط، فهو من عائلة كوميدية تمتهن التثميل المسرحي و التي كانت تقدم العروض المسرحية الكوميدية و التي شارك فيها باستر من طفولته مع والده الذي كان أيضاً يدير عرضاً لفنان التملص الشهير هاري هوديني, يقول باستر في لقاء مع بي بي سي أن هوديني نفسه هو من اطلق عليه لقب باستر, فعندما كان بعمر ستة أشهر سقط من الطابق السادس بين السلالم و لم يتأذى و لم يبكي حتى, فأطلق عليه هوديني – و الذي شاهده و هو يسقط أمام عينيه – لقب باستر, عمل باستر في العرض المسرحي الخاص بوالده الذي اعتاد الامساك به من سترة مصممة خصيصاً و رميه في أرجاء المسرح, بالإضافة إلى أداء الحركات البهلوانية على المسرح.
بدأ كيتون مسيرته المهنية على الشاشة في عام 1917 في استوديو الممثل الكوميدي الشهير روسكو آرباكل, و بحلول عام 1920، صدر فيلم The Saphead و الذي لعب كيتون فيه دور البطولة الأول له, و بعد نجاحه مع آرباكل، أصبح له وحدة الإنتاج الخاصة به باسم Buster Keaton Productions، و أنتج مجموعة ناجحة من الأفلام الطويلة في مرحلة السينما الصامتة منها ضيافتنا (1923)، الملاح (1924)، و الجنرال (1926).
و مع بداية السينما الناطقة, وقع كيتون عقداً مع Metro-Goldwyn-Mayer في عام 1928 وصفه لاحقاً بأنه الأسوأ في حياته حيث أدرك – بعد فوات الأوان – أن نظام الاستوديو الذي يمثله MGM حد بشدة من تدخلاته الإبداعية, فقد رفض الاستوديو طلبه لتحويل مشروعه المبكر Spite Wedding لفيلم ناطق، بالإضافة إلى انه كان ملزماً بالالتزام بنصوص الحوار.
عمل كيتون أيضاً مع كولومبيا بيكتشرز في عام 1939, و في عام 1949 دعاه الممثل الكوميدي إد وين كيتون للظهور في برنامجه الكوميدي المتنوع على تلفزيون سي بي إس و الذي حمل اسم عرض إد وين و الذي تم بثه على الهواء مباشرة على الساحل الغربي.