سيرياستيبس
قسيم دحدل
لم يستطع القانون رقم 38 الذي صدر في 29 كانون الأول من العام 2021، الارتقاء بالتعليم المهني الثانوي في سورية، رغم أنه ركز على تدريب الطلاب في بيئة العمل الحقيقية ورفع مستوى الخريجين العلمية والعملية، ووفَّر العديد من المزايا التي تسهم في تحويل المدارس المهنية إلى مؤسسات إنتاجية، إضافة إلى توفير مستلزمات التدريب وتأمين الدخل المادي للمدرس والطالب، حيث سمح لمدارس التعليم المهني بالتعاقد مع القطاعين العام والخاص والمشترك وتنفيذ هذه العقود من قبلها.
وكان اعتبر القائمون على التعليم المهني والتقاني، في وزارة التربية، أن القانون الجديد نقلة نوعية لتطوير هذا التعليم المهني عبر تشجيع الطلاب على دراسته، والسماح بموجبه بإحداث ثانويات للتعليم المهني المزدوج بالتنسيق بين قطاع التعليم وقطاع الأعمال وتعاقد القطاعين بعقود تخص العمل بورشات الإنتاج ومراكز التدريب، إضافة إلى مساهمة قطاع الأعمال في اقتراح مناهج ومواد تقنية والتدريبات العملية وإحداث ورشات إنتاج أو مراكز تدريب تابعة للتعليم المهني.
وبلغ الحد في هذا القانون، أن يصل لتكون كل مدرسة مكلفة بدفع الضريبة لوزارة المالية وإحداث سجلات صناعية وتجارية خاصة بها حسب طبيعة العمل..
هذا وغيره مما طمح إليه القانون، لكن وللأسف الشديد من يزور مدارس التعليم المهني، ويحاول المقارنة بين ما جاء بالقانون والواقع الحقيقي لهذا التعليم، يجد العديد من المأخذ والقصور في تطبيقه! ولعل أول ما يتفاجأ به الزائر هو النقص الحاد في توفر المدرسين المهنيين، ناهيكم عن عدم توفر مستلزمات التعليم وتردي بعض الإدارات التي تحارب ما تبقى من الكفاءات، الأمر الذي أدى لأن تسعى الأخيرة جاهدة للاستقالة!
ما ذكرنا أنفا هو بمثابة رأس جبل الجليد مما يظهر في التعليم المهني الصناعي، ولعل من يستمع “لأهل مكة” وهم يميطون اللثام عن التجاوزات التي تصل لحد الفساد، يصل لنتيجة مؤسفة جدا مفادها أنه ليس بالقوانين يحيا الاستثمار في هذا النوع من التعليم المعول عليه كثيرا في تطوير القطاعات الصناعية والتقنية، وبالتالي تطوير مخرجاتها من منتجات وسلع وخدمات منافسة.
وهنا نود التذكير أن العملية التعليمية قضية اقتصادية واجتماعية معا، لذلك أصبح على المؤسسات التعليمية أن تلبي احتياجات المؤسسات الوطنية من القوة البشرية ذات الكفاءة المطلوبة حتى تستطيع الأخيرة أن تحقق الميزة التنافسية والنجاح في الأسواق الداخلية والخارجية..
لقد أكدت الخطة الخمسية العاشرة على شعار “التنمية البشرية أولاً” وأهمية ذلك للوصول بالمنتج السوري إلى مستويات عالمية وتنافسية وينسحب هذا على مؤسساتنا التعليمية التي عليها أن تعد طلاباً قادرين على المنافسة مع أمثالهم من طلاب الدول الأخرى.
والتساؤلات التي طرحها الخبراء المختصون ونطرحها حاليا في ضوء ما أسلفنا: ترى ما هو الوضع الحالي لمؤسساتنا التعليمية وعلى وجه الخصوص مؤسسات التعليم والتدريب المهني؟ وما هي قدرتها على تلبية متطلبات مؤسساتنا السلعية والخدمية بالمعايير اللازمة وبما يحقق الانسجام بين الكفاءات المطلوبة والمعروض في سوق العمل؟ وما هي الإصلاحات المطلوبة في سياسات التعليم التقني والمهني؟
للإجابة على تلك التساؤلات يجب أولاً إعطاء “الأمان” للأصوات التي كانت فضحت ما يجري في عدد من مفاصل التعليم المهني، فكانت مكافأتها النقل والمحاربة والتهميش، علما أن هذه الأصوات هي التي لا تزال وفية لأهداف التعليم المهني ولولاها لما كان هناك أي تعليم..