Syrian Arab Republic
This article was added by the user . TheWorldNews is not responsible for the content of the platform.

خالد البوهالي: إدارة الصراع الدولي.. اين نجحت روسيا واين فشل الغرب؟

خالد البوهالي

ظاهرة الصراع قديمة منذ وجود الجماعات البشرية على كوكب الأرض، قبل ظهور فكرة الدولة، حيث السمة التي طغت هي البقاء للأقوى، أو الصراع من أجل البقاء، سواء في تعامل الفرد مع الفرد أو الجماعة مع نظيرتها، إلا أنها كانت تقوم على ثنائية الحرب أو السلم.

وعلى الرغم من التحولات التي عرفتها البشرية على المستويين الفكري والاقتصادي والاجتماعي، وظهور فكرة الدولة، إلا أن ظاهرة الصراع من أجل البقاء أو البقاء للأقوى لم تختفِ نهائياً، بل بالعكس تعززت مع سعي الدول لتثبيت أقدامها، بكل ما تملكه من أدوات التأثير في بيئتها الدولية.

تعد إدارة الصراع الدولي إحدى أدوات السياسة الخارجية للدول في التعامل مع محيطها الخارجي، خصوصاً بين وحداتٍ سياسيةٍ متضاربةِ المصالح، وتُبنى على قاعدةٍ مسلّم بها مفادها إجبار وحدةٍ سياسيةٍ أو أكثر على الامتثال لإرادة طرفٍ واحدٍ أو أكثر، عبر تسخير جميع الإمكانيات والقدرات التي تتوافر عليها، تحقيقاً للمصلحة العليا على المَدَيَيْن المتوسط والبعيد بأقل تكلفة ممكنة

وعليه، فإن إدارة الصراع الدولي ظاهرة معقدة ومتشابكة، تتطلب من أصحاب القرار السياسي عدداً من المهارات السياسية لإدارتها، من خلال القراءة الجيدة للتحولات السياسية والجيوسياسية التي تطرأ على النسق السياسي الدولي، حتى تستطيع مواكبتها والتأثير فيها بما يضمن لها تحقيق مصالحها.

ولأن الصراع الدولي يعد إحدى أدوات السياسة الخارجية للدول في محيطها الدولي، فإنه يتضمن عدداً من التدابير والإجراءات التي تمكن الوحدات السياسية من إخضاع الوحدات السياسية المناوئة لمشيئتها.

وتتعدد هذه التدابير ما بين أدوات تصادمية وأخرى غير تصادمية قياساً على حجم الخصم وقوته المراد استهدافه وإخضاعه، ومن بين هذه الإجراءات العقوبات الاقتصادية   والتكنولوجية والحروب السيبرانية والتجارية والمالية، إلى حد إعمال التخريب وزرع الاضطرابات والدعاية والحرب النفسية والفوضى داخل الدولة المراد إخضاعها، أو جميعها معاً.

في المقابل، تبلور الدولة المُسْتَهْدَفَة إستراتيجية مضادةً، الهدف منها الحد من تأثير هذه التدابير في الوضع الداخلي والخارجي للدولة، كي لا تعرض أمن البلد واستقراره للتهديد.

ويعد الغرب الأكثر استعمالاً لسلاح العقوبات ضد الدول التي يراها مارقة، بدءاً من كوبا، والعراق على عهد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وإيران وكوريا الشمالية وسوريا، ما أثّر سلباً في اقتصادية هذه الدول وتنميتها، من دون أن تتأثر الدول الغربية بنتائجها.

لكن المفارقة العجيبة في صراع الغرب مع روسيا حول أوكرانيا، نجد أنه للمرة الأولى في التاريخ يلجأ الغرب إلى استعمال جميع أدوات الصراع -باستثناء المواجهة المباشرة- الممكنة بما فيها العقوبات الاقتصادية، في مواجهة روسيا بغرض إخضاعها وتدميرها  وتحويلها إلى دولة فاشلة، لكن مسعاها باء بالفشل الذريع، إذ ارتدت سلباً هذه العقوبات على الغرب نفسه على جميع الصعد، خصوصاً الاقتصادية منها، ما يعد سابقة في العلاقات الدولية

بيد أن السؤال الذي يفرض نفسه، لماذا نجحت روسيا في إدارة أزمتها من حيث فشل الغرب في صراعه معها؟

أولاً: الغرب له منهج واحد في التعامل مع كل الدول الأخرى، فهو ينظر إليها من منظور واحد وبفوقية، من دون تقدير لقوة هذه الدولة أو تلك على المسرح الدولي، فهو ما زال يعيش حقبة ما بعد الحرب الباردة التي عرفت أفول الشيوعية.

ثانياً: العالم الغربي لم يستوعب بعد حقيقة أن البيئة الدولية تعرف تحوّلات متسارعة على مستوى النسق الدولي، لذا ظن في لحظة من الغرور السياسي، أنه بتطبيق العقوبات الشاملة على روسيا سيتمكّن من لجم الطموح الروسي نحو الزعامة العالمية.

ثالثاً: القادة الغربيون لم يدرسوا العواقب التي يمكن أن تجرها عليهم عقوبات كهذه، فضلاً عن عدم توقعهم لرد الفعل الروسي بعد امتصاص الضربة الأولى، وهذا يعد أكبر فشل لهم.

رابعاً: القيادة الروسية كانت تتوقع ذلك، وتتحسب له منذ زمن بعيد، ويبدو أنها رسمت مسبقاً سيناريوهات مختلفة، لما يمكن أن تشكل هذه العقوبات والتدابير المتخذة ضدها، من تأثير سلبي في الاقتصاد الروسي في حال إقرارها، كما أنها درست مسار العقوبات وطرق التعامل معها، والأدوات التي تمكن موسكو من الرّد عليها كي لا ترتد عليها في الداخل وتفضي إلى تقويض بنية النظام السياسي الروسي.

وقد كان لسلاح الطاقة الذي يعد شريان الاقتصاد الغربي الدور الفعال في التأثير في الغرب، إذ أصبح الغرب يعاني أزمات اقتصادية تمثلت في ارتفاع معدلات التضخم، ومعدلات الإنفاق على الطاقة المستعملة في مصانعه وللتدفئة في شتاء الغرب القارس، فضلاً عن التخلي عن التعامل بالدولار والدفع بواسطة العملة المحلية، ما ساهم في ارتفاع قيمة الروبل الروسي في الأسواق الدولية والتحكم بمعدلات التضخم التي سادت في بداية الحرب بأوكرانيا.

وحتى مع قرار الدول الغربية تسقيف أسعار، كان تحذير الرئيس بوتين لها كافٍ لإجبارها على التخلي عن هذا المشروع، لأنه سيفاقم الأزمة الناتجة عن ارتفاع أسعار الطاقة، كما أشارت إلى ذلك صحيفة “دايلي تلغراف”.

واستناداً إلى هذه المعطيات، يتضح بجلاء أن الغرب استعمل كل أورق ضغطه في الصراع مع روسيا، لكنه مُني بفشل وارتد الضغط عليه -كما أسلفنا-، في حين أن روسيا استعملت بنجاح سلاح الطاقة في صراعها مع الغرب. ما أصاب الاقتصاد الغربي في مقتل، ما يبيّن أن آلية التفكير الاستراتيجي عند الغربيين يشوبها الترهل والجمود الفكري.

ختاماً، تعدّ طريقة إدارة روسيا للصراع مع الغرب مرجعاً مهماً للدارسين في حقل العلاقات الدولية، فهي أثارت إعجاب أعدائها قبل أصدقائها، لذا نرى أن من الواجب الوقوف عندها من لدن الباحثين الأكاديميين في العالمين الإسلاميّ والعربي، للتمعّن فيها ودراستها، لاستخلاص العبر والدروس في كيفية إدارة الصراعات في المسرح الدولي، خصوصاً أن الأمة الإسلامية والعربية تواجه لحظات مفصلية في تاريخها.

باحث في السياسة الدولية

Print This Post