Syrian Arab Republic
This article was added by the user . TheWorldNews is not responsible for the content of the platform.

الصراع بين الخير والشر ف رواية “منارة الموت”

عمر صبري كتمتو

رواية منارة الموت هي العمل الروائي الثاني للروائية الفلسطينية هناء عبيد بعد روايتها الأولى بعنوان هناك في شيكاغو ، وهذا يعني أنها تعيش مابين الشرق الأوسط وأميركا التي درست فيها.

تقع الرواية في 237 صفحة ، وصدرت العام الماضي في العاصمة الأردنية عمّان عن دار فضاءات للنشر والتوزيع.

عندما بدأتُ قراءة الرواية شعرت وأن الأديبة عبيد تمسك بزمام القارئ ولا تتركه الى أن يُنجزَ التعرّفً على ماترمي اليه الكاتبة بحيثُ يصعب عليه التحرك من كرسيه لتناول فنجان قهوةٍ او حتى كأس ماء. ذلك أن الحدث بحد ذاته عقدةً تحتاج لحل ، فيأتيك الحل ناقصاً لأنهُ مرتبطٌ بالحدث الذي يليه ، وهذا مايُمليهِ عادةً المسار في بناء الرواية الواقعية التي نحن بصددها في هذه المراجعة لإلقاء الضوء على هذا النص الروائي الأدبي  منارة الموت الذي حصد ارواحاً بريئةً ، وبأسلوبٍ تستخدمه عصابات المافيا والمال. أم الضحايا فهم أبناء العائلات غير القادرة على شراء وصفة الدواء، وذنبها هو فقرها وعجزها وغياب المؤسسات النقابية كي تدافع عنها. ولم يغب عن ذهن الروائية هناء عبيد أنهم حاولوا مرةً واحدةً الإضراب عن العمل وهبوا متضامنين بالتوقف عن العمل لمدة شهرٍ كامل، فماذا كانت النتيجة ؟ كانت عدم صرف رواتبهم للشهر المذكور مع انحناءة يومية اعتادوا عليها امام صورةٍ كبيرةٍ لمؤسس شركة كاربنتر (الخيرية) التي ورثها ولداه من بعده.

تتناول الرواية موضوعاً إنسانياً قديماً وجديداً في آنٍ واحدٍ، وهو الصراع بين الخير والشر، بين القوي والضعيف، بين طبقة رأس المال والطبقات الفقيرة العاملة، وبين المُستَغِل، والمُستَغَل، وذلك في إطار روايةٍ زاخرةٍ بتطور بنيان هذا العمل الأدبي، الفني الواقعي والسردي التشويقي، وبلغةٍ سهلةٍ ورصينةٍ جميلة.

الملفت للنظر في هذه الرواية أن معظم شخصياتها يُعتبرون أبطالاً رغم تفاوت وجو دهم في العمل، وكأن الكاتبة قصدت ذلك ، أو أنّ هذا جاء بطريقةٍ عفوية ، وبعد أن تُميتَهم قتلاً تعيد لهم وجوداً مؤثراً في متن الرواية، مثل رمزي وجورج ورايان، والشخصية المؤثرة جداً شمس التي أحبها آدم، وبها قتل حبه الأول لحبيبة الطفولة وجارته بالفقر هانا التي فضلت عليه عريسا مقتدراً مادياً، فلما وقع طلاق هانا من عريسها الغني، بحثت عن آدم في صفحات التواصل الإجتماعي وعلمت أنهُ صار طبيباً محاولةً العودةَ اليه واخبرته بأنها لازالت تحبه، الا ان قلبه كان موطن زميلته بالعمل شمس ، التي فتحت عيون كل من قُتِلوا عن حقيقة مؤسسة كاربنتر (الخيرية) والتي كانت هي الأخرى ضحية البحث عن حقيقة المؤسسة التي تغتني من قتل المرضى ومن كل من تسوّلُ له نفسه التعرف على أنها ليست مؤسسة خيرية للفقراء وإنما مؤسسة قتلٍ للفقراء قادرةً الوصول الى كل من يكتشف هذه الحقيقة لأنها تملك المال.

قد يظن البعض  أن شخصية الطفل سام ابن صاحب المقهى الذي عمِلَ فيه آدمُ نادلاً بأن هذا الطفل المصاب بمرض عُرِفَ بإسم (داون سيدروم) يأتي مع الولادة وترجمته بالعربية هي (متلازمة داون) ويسميه البعض بالعامية مرض المغولي ، أكرر قد يظن البعض أن دور سام في الرواية هو دورٌ هامشيٌّ بسيط، لكن عندما ينتهي القارئ المتمعّن بهذه الشخصية ثم يبدأ بالسؤال عن السبب الذي أوجد هذا المرض في الطفل البريئ سام ويعود الى تفاصيل وظروف حياة قرية آدم، عندها سوف يكتشف أهميَّة هذه الشخصية لانسجامها الكامل مع بُنيةِ الرواية، التي تَدُلُّ على ذكاء الكاتبة، وكأنها كتبت روايات كثيرة وتجربة غنية، رغم أنّ روايتها منارة القتل هي روايتها الثانية بعد روايته الأولى هناك في شيكاغو. وهذا يشمل كل شخصيات الرواية.

تأثرتُ كثيرا من وصفها لحياة اسرة آدم الفقيرة، وأذكر روايةً للروائي النرويجي العالمي كنوت هامسون بعنوان ( الجوع) وكانت اولى رواياته كتبها عندما كان الفقر ينهش به، ومن شدة التأثُّر، كنتُ أهرع الى ثلاجة البيت للتأكد بأن الله أنعم عليّ بوجبات النهار.

أبارك للأديبة هناء عبيد التي تناولت قضية من أهم القضايا الإنسانة والصراع الطبقي المجود دائماً بين مستَغِلٍّ و ومستَغَل، فأجدنيمضطراً للعودة الى قراءة كتاب رأس المال لكارل ماركس ولجدلية الفيلسوف الألماني هيغل.

بقي ان أقول إن الكاتبة فضّلت ألا تحدد مكان أحداث الرواية واستخدمت أسماءً يصعب تحديد الأمكنة من خلال الأسماء المذكورة كما استخدمت اسم عملة واحدمة قد تكون البلاء الذييقف وراء الشر وهذه العملة هي الدولار، الأكثر استخداماً بالعالم، وهذا ما يؤكد مهارة وذكاء الروئية هناء عبيد بانتقاء أدواتها، ومن هنا يجد القاريء من يحُثُهُ على قراءة الرواية من جديد.

كاتب وسفير سابق

Print This Post