Syrian Arab Republic
This article was added by the user . TheWorldNews is not responsible for the content of the platform.

هل رتبت المخابرات الروسية هزيمة خاركيف وخدعت زيلينسكي؟

أيوب نصر

 ما سأحدث به في هذا المقال، إنما هو إحساس أحسسته في نفسي، وأثر وجدته في قلبي، بعد هزيمة الروس في خاركيف، ولم أشأ أن أخرج به على القراء، لأنه كان إحساسا مجردا عن أي دليل مادي أو برهان من الأحداث، وذلك أنني  أستنكف أن ألقي على مسامع قراء صفحات الرأي شيئا لم يقم عليه دليل، كما أستنكف أن ألقي عليهم مقالا للرأي لا يزيد عن كونه تقريرات.

ولكنني كنت على يقين من أن الأيام القليلة، التي تلت معركة خاركيف، ستحمل في طياتها ما يثبت ذلك الإحساس ويزكيه أو ما يضعفه وينفيه، وهذا الذي كان، فقد جاء الإعلان عن الاستفتاء، وما أحاط به من تبريرات ورافقه من تحليلات، لتعزز في نفسي ذلك الإحساس.

وقبل أن أعرض عليك ذلك الإحساس، وأحدثك ببواعثه في نفسي، فإنه حقيق بي أن أنبهك إلى الأمر، وهو أن ما أرمي إليه من كلمة الإحساس النفسي، ليس هو نفسه الذي يجري على ألسنة العامة، مما يعبرون عنه بقولهم: ”هذا ما أحسه”، وإنما هو ما يتولد في النفس نتيجة للإستقراء و التتبع والإحاطة التامة، أو غير التامة، بالأمر، ومن خاض في مناهج البحث والتحليل وطرائق النقد، عند علماء المسلمين، ومهتمين بالدراسات العربية، سيعلم ما أعنيه.

أما الإحساس فكان في مجمله يدور حول هزيمة الجيش الروسي في خاركيف، وأنها لا تزيد عن كونها هزيمة مدبر لها، سعى إليها الروس قبل غيرهم، بل هم من مكنوا أعدائهم منها، وأوهموهم بها، وذلك لغرض في أنفسهم يريدون قضائه، وأما بواعث هذا الإحساس فأقدمها إليك في نقاط:

الأولى: جميعنا يعلم مدى قوة الاستخبارات الروسية، والطبيعي أن تكون مستنفرة في أيام الحرب، وهذا الاستنفار سيجعلها تعيت في أوكرانيا وتراقب كل ما يجري فيها، فكيف لم تنتبه هذه المخابرات القوية والعريقة إلى أن المعركة ستكون في خاركيف؟؟

ثانيا: اعتذر الروس عن هذا الخطأ بأنه تم إيهامهم بأن المعركة ستكون في الجنوب، ولا ننسى أننا بإزاء دولة عريقة في المجال الاستخباراتي ولا يخفى عليها ما يسمى بتسريب المعلومات الخاطئة.

ثالثا: أين كانت الأقمار الاصطناعية التي ترصد تحرك جماعات النمل فضلا عن جيش جرار.

فهذه النقاط الثلاث تجعلنا بين خطتي خسف، فأما الأولى: أنه تم حقا إيهامهم مع فشل الأقمار الاصطناعية، والأجهزة الاستخباراتية، وهنا من حقنا السؤال: هل يمكن مع هذا اعتبار روسيا قوة؟؟

وأما الثانية: فهي أن الروس فهموا اللعبة وتعمدوا الانسحاب من خاركيف وإدعاء الهزيمة فيها، وذلك لغاية في أنفسهم يريدون قضائها، وهذا الذي أميل إليه، وستحمل لك الفقرات القادمة، من هذا المقال، دليلي على ذلك.

إن أي متتبع فطن للأحداث الروسية الأوكرانية، من قبل أن تبدأ وإلى ما بعد نكسة خاركيف، سيلمح أمرا يكاد يكون مطردا في جميع التحليلات والتصريحات، التي تصدر عن محللين ومسؤولين روس، وهو ذلك الزهو والإعجاب الذي يوجد في تحليلاتهم وتصريحاتهم، وتلك الثقة التي يدخلها شك ولا تخالطها شبهة في قوتهم وقوة جيشهم، وهذا الزهو والإعجاب والتباهي والثقة، هذا كله استمر على مدى المراحل التي مرت بها هذه العملية العسكرية الخاصة، ابتداء من انسحاب الروس من كييف مرورا بالتوغل البطيء الذي رافق القوات الروسية داخل الأراضي الأكرانية، وصولا إلى ما بعد نكسة خاركيف، ففي كل هذا وغير، كنت تجد المحللين الروس يتكلمون في زهو وشموخ وثقة، بعيد عن كل ما يحيل على الضعف أو يستدل به على الهوان.

ولكن، وفجأة، ومن غير سابقة ولا ابتداء، فمع اللحظة الأولى التي أعلن فيها عن أمر الاستفتاء، تواطيء الجميع على أن الدافع إلى إجراءه، هو خوف روسيا من تقدم القوات الروسية نحو إقليم دونباس وغيره من الأراضي الجنوبية، وهذا ينافي كل ما كان منهم وما صدر عنهم من زهو وإعجاب وشموخ وثقة، بل إنه يدل على ضعف وهوان وذل وشك وقلة حيلة.

وهذا التواطيء ليس بالتواطيء المعتبر، لأنه لا يقوم على مستند قوي يدعمه، وهو مرفوض من كل عقل ومن كل فكر، وما يعزز رفضه هو:

أولا: أن محاولات استرجاع تلكم الأقاليم لم تتوقف أصلا، وليست وليدة التقدم الحاصل في خاركيف، ومع ذلك لم تستطع القوات الأوكرانية استراجعها.

ثانيا: الجميع يعلم مدى قوة الجيش الروسي، وأنه للآن لم ينزل بثقله، وإلا لقضي الأمر منذ أشهر، ولهذه القوة يرفض الأوكرانيونأوقف القتال وإرجائه إلى نهاية المفاوضات، خوفا من أن يرد الجانب الروسي بقوة أكبر في حالة فشل المفاوضات، وقد صرح بذلك أحد مستشاري الرئيس الأكراني، حيث قال في أواخر شهر ماي الماضي: “إن إيقاف المعارك إلى حين انتهاء المفاوضات سيجعل روسيا ترد بشكل أقوى في حال فشلت تلك المفاوضات”.

ثالثا: التحول المفاجيء في التحليلات المقدمة.

رابعا: أن الرد القوي من طرف الروس لا يتوقف على قصف الأراضي التابعة لهم، وبما أنهم يملكون القوة لأجل رد قوي فسيحدث ذلك سواء كانت تلك الأراضي تابعة لهم أو غير تابعة لهم.

إن ما حدثك به من هزيمة للجيش الروسي في خاركيف، إنما كان وهميا، وذلك لأجل إيجاد مبرر للاستفتاء، وذلك أن روسيا، وقبل بداية الحرب كان الهدف الأول لها هو ضم تلكم الأراضي إليها، وكان الجميع ينتظر حدوث هذا الاستفتاء، ولعل الاستفتاء داخل ضمن ما يتردد على ألسنة الروس من أن العملية لن تنتهي حتى تنجز أهدافها، لكن الذي كانت تبحث عنه روسيا هو علة ترجع إليها أمر الاستفتاء، ولم يكن إلا التظاهر بالهزيمة في خاركيف، لأجل إبداء توخفات تخول لها إقامته.

كاتب وباحث مغربي

[email protected]

Print This Post