Syrian Arab Republic
This article was added by the user . TheWorldNews is not responsible for the content of the platform.

بشير عمري: أزمات القيادة والاقتياد الحزبي بالجزائر.. “حمس نموذجا”!

بشير عمري

يوم بعد يوم يتأكد للملاحظين للشأن السياسي في الجزائر، بأن خارطة الإصلاح فيه لا تزال بعيدة عن التراسم والارتسام، طالما أن نخبه لم تزلها تائهة في معاضل نفسها الأولى، والشعب بات قوة اقتراح أصدق تعبيرا وأدق تدبيرا مما زعمت هي امتلاكه مذ خرجت للعلانية بإرادة شعبية جارفة تمت في الخامس من أكتوبر 1988.

في هذا السياق تحديدا، أشارت جهات سياسية وإعلامية مؤخرا إلى إمكانية ترشح وزير الصناعة السابق في عهد بوتفليقة عبد المجيد مناصرة ( 59 سنة) لرئاسة حركة مجتمع السلم “حماس” سابقا، في مؤتمر الحزب الذي يوشك على الانعقاد، الأمر الذي يكون قد أحدث ردود فعل مؤيدة وأخرى معارضة داخل وخارج هاته القوة السياسية “المكبلة” بإرادة منها ومن غيرها كي لا تلعب الدور الذي أناطت وأزلمت به نفسها من يوم تأسست رغما عنها بوصفها حركة أعطت الأولوية للعمل الدعوي، الاجتماعية والإرشادي دون السياسي إلى أن وجدت نفسها واقعة في غمار أعماقه.

والسؤال الذي يطرح نفسه علامَ يعترض البعض ويؤيد الأخر في ترشح مناصرة؟ ولم الاهتمام بذلك في ظل عدم وجود أي مؤشر جدي لرؤية اتجاه جديد في الحياة السياسية بالجزائر يمكن اعتباره رهان جدي للحركة يتوجب عليها خوضه؟

بعيدا عن المجتر المعتاد في القول سياسيا واعلاميا بشأن حالة الجمود أو الموات بتعبير أدق التي يعيشها المسرح السياسي الجزائري حيث تظل الستائر منسدلة على ركحه و لا يكاد يسمع من خلفها إلا همس أصحاب القرار الفعليين والكل، نخبا وأحزابا، ينتظر أن ترفع الحجب أو الستائر تلك ليتجلى المشهد، فإن الشيء الحقيقي الذي لا مراء فيه، هو أن حزب الراحل محفوظ نحناح لا يزال رهين لحظة انبلاجه الأولى، لا يكاد يبرح سؤالها المتعلق بطبيعة سبب النشأة والدور الذي تم تأديته والذي عليه أن يؤديه لاحقا، وهو ما يبقي هدا الحزب واقعا في أزمة وجودية سياسية كبيرة قد تبقيه في السلبية التي هو عليها اليوم في المعضلة والمعادل الوطنيتين، وبالتالي يظل أبعد من أن ينتقل من “القوة” إلى الفعل السياسي الوطني في حال تغيرت المسارات وانفرجت الازمات.

فإرادة جعل قيادة الحزب محصورة ومقصورة على الوجوه “التعددية” الأولى ممن أسسوا لخط “المشاركة” كنهج سياسي للحركة دونما استحضار بديل ظرفي ينسجم والتطورات التي تعرفها “السلطة” في سجالها المتواصل مع الوعي الشعبي المتنامي حقبة خلف أخرى، ليس له من دلالة أكثر من أنه يدل على أن (الحزب-الحركة) متوقف في الزمان والمكان الأولين عاجز أن يعدوهما أو يغدو منهما إلى حيث يقتضي حال الوضع العام.

بمعنى أوضح لم تفلح الحركة في إفراز جيل سياسي وقيادي جديد يتمرجع على رؤية نقدية للتجربة السابقة، ويطور من أداء الحركة وخاصة من مفهوم المشاركة كخيار ونقيض للمغالبة التي كان قد رفعها تيار التغيير بالقوة لا بقوة التغيير ونعني به جزب جبهة الإنقاذ، هذا الأخير الذي يظهر من خلال ما تطرحه شخصيته القيادية الثانية، علي بن حاج، أكثر مراجعة وتراجع عن فكر الجبهة الأولى الذي كان قائما على الصدامية ورفض كل الفاعلين السياسيين فيما عدا جبهة انقاذه الأولى، حيث صار اليوم يرفع لواء الحريات وينافح ويدافع عن التعددية المطلقة غير الانتقائية كسبيل أو حد لتحقيق التغيير المنشود في الجزائر.

إن هكذا وضع حزبي قائم على إرادة الغلق والانغلاق الذاتي من خلال حصر مسألة القيادة في “أهل الحل والعقد” من جماعات التأسيس الأولى، لهو أوضح حجة على أن النخب السياسية في الجزائر ليست مهتمة بالمسألة الوطنية في حساباتها السياسية قدر اهتمامها بمسائلها الخاصة الضيقة وبما يمكنها أن تجنيه من محاصيل على الصُعد الحزبية والشخصية.

فجل القوى السياسية الكبرى أو التي كانت كذلك في بداية التعددية الحقيقية (1989-1992) صارت اليوم تكتفي وفق منطق الغابة في ظل احتكار أداة حسم الصراع فيها من قبل السلطة بالبقاء والتمعش على الفتات من أن تندثر وتتبخر حظوتها التي تحققت لها أيام التأسيس لديمقراطية الواجهة أين كانت جل تلك القوى أدوات طيعة فيها.

كل هذه المؤشرات تؤكد أن المشهد السياسي بالجزائر هو اليوم أحوج ما يكون للتغيير والإرشاد ومن ثم الإصلاح قبل أن تتبجح أي من حركاته ونخبه بضرورة إرشاد المجتمع وترشيد قوى الشعب ليتحقق التغير وينبسط الإصلاح في الوطن ككل، ومعنى ذلك أن هاته الحركات والنخب باتت مستَهلكة ولم يعد لها من جدوى في الحضور في المشهد الوطني على ضوء ما أبداه المجتمع من وعي خارج بوتقة الممارسة الحزبية الموجهة المغذية لإرادة تأزيل ديمقراطية الواجهة، ومن ثم فهاته الحركات والنخب صارت تتقاسم مع السلطة ذات الازمة الوجودية مرتبطة بالهوية السياسية التي يفرضها الواقع المتطور للوعي المجتمعي.

فعندما نرى في بريطانيا – وليس المجال هنا طبعا للمقارنة وإنما للمقاربة – كيف أنه مذ غادرت مارغريت تاتشر قيادة الحزب والحكومة سنة 1990 بعد أن خلصت المجتمع البريطاني من أسوأ أزمة تضخم اقتصادي ضربته، أصبحت الكاريزما وشرعيات التاريخ من حكايا الماضي السياسي، إلى أن أضحى صعب على الذاكرة النخبية فضلا عن الشعبية الاحتفاظ بأسماء من يصلون ثم يتنحون عن قيادة حزبي العمال والمحافظين وكذا الحكومة – عندما – نرى ذلك ثم نلتفت إلى حالتنا الحزبية المكلومة المأزومة ونرى فيها الخيارات الأولى باقية كما هي، والقيادات التأسيسية مستريحة مسترخية أرائكها القديمة، ندرك فعلا بأن الحراك الشعبي كان له مبرر الحدوث، ليس باعتباره تمردا على سلطة فاسدة مفسدة أكلت على قصعتها كل هاته النخب والحركات والأحزاب والحزيبات، وإنما تمردا على سلطان الخراب المهول الذي أريد للمجتمع أن يقع ويقبع أسيرا له، في وعي مسيرته ومسيرة وعييه، خراب أسهمت فيه تلكم الأحزاب كل حسب قواه ومبتغاه.

كاتب  جزائري

Print This Post