Syrian Arab Republic
This article was added by the user . TheWorldNews is not responsible for the content of the platform.

عبدالرحمن أبوسنينة: أربعينية الإمام الحسين بعيون صحفي فلسطيني

عبدالرحمن أبوسنينة

في نهاية المطاف هذا العام وفقت للمشاركة بزيارة كربلاء المقدسة، ضمن أربعينية حفيد نبي الاسلام، وسيد شباب اهل الجنة، الامام الحسين”ع” في 20 من صفر، الموافق لمرور 40 يومًا على ذكرى استشهاده في واقعة كربلاء الأليمة قبل مئات السنين، وآحاول فی هذه السطور الاشارة الى جوانب من هذه التجربة الروحية الاستكشافية في هذا المشهد الذي قل نظيره، حيث تتقاطر الجموع المليونية من الزائرين لمرقد سبط الرسول محمد”ص”، أشبه بـ “طوفان بشري” غطى مساحات واسعة من أرض العراق الجريح.

ولكن بداية ألفت إلى أن استشهاد سيدنا الحسين، شكل أكبر صدمة واجهت صميم العالم الإسلامي، وأثرت تلك الفاجعة المروعة، على جميع الأجيال اللاحقة، بل كانت صدمة لكل عالم الوجود-ان صح التعبير-، اذا ما أخذنا بالاعتبار عشرات المرويات الاسلامية حول الحوادث الكونية والكرامات الواقعة بعد مقتل الحسين، على يد السلطة الأموية بقيادة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان.

المعاشر الكربلائية

دخلت برا من ايران الى العراق عبر (معبر شلمجة) البري، وكل من ينضم الى هذه الشعيرة الفريدة سيذهل من كرم الحسينيين العراقيين، الذين نذروا أنفسهم لخدمة أمواج الزائرين بحماس ودون منة، فقد رأيت بعضهم يضع أوعية الطعام والفاكهة والحلوى على رؤوسهم أدبا وتذللا لضيوف العراق، ورعاية الأدب شرط الخدمة في طريق الحسين كما يقولون ويؤمنون، على مدار الساعة تعمل المواكب الحسينية والسرادقات المنصوبة على الطرقات، اذ يُقدمَ للزائرين ما لذ وطاب، في الطريق الى كربلاء ستجد ألوان الخدمة الحسينية، فالجميع يبذل كل شيء، لقد كنت مع عائلتي (خمسة أشخاص) ولم تتوقف عروض دعوتنا للنزول الى المنازل للمبيت والاستراحة والغذاء بالمجان، إنهم المعاشر الكربلائية، ممن يحملون في قلوبهم حرارة عشق حسيني لا تبرد ابدا.

سر العشق الحسيني

وهنا أتساءل عن سر هذا العشق الحسيني؟ سواء لجهة هذه الخدمة الفريدة، أو لحضور هذه الملايين الى عراق الحسين، وليس لك إلا ان تقر بأن هذه الجموع من الماشين والزائرين، والخدام في المواكب الحسينية، هي بحق معاشر عاشقين اجتمعوا في مجالس أنسهم، حيث يتواجد المحبون، يستمدون الحياة مما ينهلونه من عشق في تلك الطرقات، هؤلاء المعاشر يقربونك من فهم عاشوراء التضحية والايثار، وأنت تنفر في هذه الشعيرة، فارا من الظلم اليزيدية الى الأنوار الحسينية، ويتجلى هذا المعنى في الأربعين ((المعشر الحقيقي)) والعشرة بهؤلاء المعاشر تجعلك تأنس بحزن مصائب آل النبي وبنات الرسالة، فهذه الجموع التي أقسم أنني لم أشم ريح عرق منها رغم شدة الحر، عاشقون لآل البيت المحمدي أهل الكرم والجود، أبناء فاطمة البتول، وكل من التصق بهم يأخذ منهم، والقطرة اذا ما اتصلت بالبحر تصبح بحرا من الكرم ومن البشر، فلم يشهد العالم من قبل حركة أفواج من البشر تزور مكانا مقدسا بهذا الشكل، إنها بحق ملحمة ولاء وعطاء.

كربلاء الحسين تهذب الطباع وتقلب المعايير

يتجلى في زيارة الأربعين التلاحم الاجتماعي ولين العريكة خاصة لدى الشباب العراقي من كل الطوائف، يشاركون في شرف الخدمة بأجواء مفعمة وايجابية منسجمة مع مبادئ الحسين أبي الاحرار “ع” فكل من يحضر مجالس سيدنا الحسين او يخدم في المواكب، يتمتع بقدر من ظهور الرحمة والعظمة الحسينية، فتراهم في قمة الذوق وحسن التصرف مع بعضهم ومع الزائرين، يتفاعلون كالجسد الواحد يتنافسون في الخدمة ويباهون بها، وقد شاهدت خداما من (أهل السنة والصابئة والمسيحيين) يشاركون بحماس في هذه المواكب فالحسين هو الرحمة الواسعة، وكل مشارك يتلقى سهما من بركة ابن رسول الله”ص”، كما يؤكد خطباء المنبر الحسيني الذين يلقون مواعظهم بين الزوار.

ماذا لو حضرت الروح االحسينية في السياسة العراقية؟

إحدى معاجز الأربعين، هي تلقائيتها دون تدخل أي جهة رسمية أو دولية، فهذه الملايين الهادرة نحو كربلاء، لم تأخذ إذنا أو أمرا من احد، وهذا المضيف العالمي المنذور لله يحتضن كل هذه الملايين، يوفر لهم المأكل والمشرب والمبيت والأنس وكل أسباب الراحة، الكل يجتمع تحت راية أبي الأحرار، ومن المعيب هذا الغياب للصحافة الدولية والعربية، التي تتسابق لتغطية توافه الأحداث والاشاعات!!

ولا ننسى جهد قوى الامن العراقية وسهر أبنائها على حماية وانجاح الأربعين وخاصة قوات الحشد الشعبي الحاضر بقوة خدمة وحماية ومتابعة أمنية، لكن الحدث بمعظمه غير حكومي ولا سياسي، ولو أوكل إلى أي دولة لا تستطيع فعل ذلك، ولا يظهر معجزة كهذه الا العاشقون.

وأمام التعقيد السياسي الحاصل في العراق فإنني كمحب لهذا البلد العظيم وشعبه الكريم كم اتمنى لو يضفي السياسيون على عملهم قيم الحسين، ويتوحدوا بالنفس وهذه الروح الحسينية المعطاءة المسخرة في الاربعينية، فعراق الحسين يليق به ان يكون أعظم بلد في الدنيا، وهو يزخر بكل هذه الثروات وأولها ثروة ثورة الحسين، ومراقد أئمة بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة عليهم السلام.

العجز عن ادراك حقيقة كربلاء وفك أحرفها

سأبقى مهما حاولت عاجزا عن وصف ما رأيت أو ما شعرت به شخصيا، وليس كل ما يحس يمكن وصفه، ولكن ما يمكنني قوله: أن هذه الملايين الهادرة على مدار أسبوعين كانت تنساب مع صوت كالهرير في البقاع المقدسة، ما يؤكد بلا شك أن ما قام به الحسين هو ثورة أزلية أبدية بخطة الهية، ويحضرني ما أشار اليه مرشد الجمهورية الاسلامية آية الله السيد الخامنئي، بأن ما يحصل من مظاهر الأربعينية هو بيد غيبية لا عادية، وتوقن كذلك أن حب الحسين “ع” منزل من الله، وأن هذه الزيارة لسيد شباب أهل الجنة، ليست مجرد مسير جسدي، بل هي ميدان واسع من التجارب الإنسانية في أبهى صورها، وقد صارت كربلاء مقصداً لكل باحث عن قيم التضحية، والعطاء، وكلّ خطوة نخطوها هنا في الأربعين تشعرك بتحوّل في قلبك، للدرجة التي تمنيت هذا المشي في هذا الطريق الروحاني لكل من أحبه، بين هذه الملايين الماشية الى مقام دفن الذبيح العظيم المظلوم تشعر بهذا الاتصال بالحسين الذي هو من محمد ومحمد منه عليهما السلام، ويقشعر بدنك وأنت تردد مع الزائرين: اشهد ان دمك سكن في الخلد واقشعرت له أظلة العرش وبكى له جميع الخلائق..

ومن قلبي أدعو الزملاء وأهل الصحافة والاعلام وصناع القصص الاخبارية لينهلوا من هذا الكنز الخفي بلا مبالغة..

الدعاية المسمومة حول الايرانيين

عندما كنت أقرأ أو أشاهد التقارير الصحفية حول العلاقة الايرانية العراقية منذ العهد الصدامي وكذلك في الاعلام العربي المدعوم سعوديا واسرائيليا، تخال أنك اذا التقيت بالايرانيين فستكون أمام عناصر مخربة، متطرفة لا تضمر الا الشر بالعرب، فإذا بنا نرى مجموعاتهم المنظمة، متواضعون، ودودون، حريصون على نظافة الطرقات، يمشون على أقدامهم ويتحمّلون الصعاب، بابتساماتهم أبطلوا أثر مليارات الدولارات التي صرفها العدوّ لبثّ الفرقة بالذات بين الشعبين(الايراني والعراقي) يحملون رايات كتب عليها: (حب الحسين يجمعنا وايران والعراق لا يمكن الفراق)ورأيت الشباب الحسيني الايراني يتوسل أخاه العراقي ليشاركه خدمة الزوار في المضيف او الموكب، وبعض الشباب الايراني يصر حتى على تنظيف أحذية الزوار فيا للعجب من ظاهرة نجد فيها إبليس قد غُلت يداه، فها هي الأخلاق الانسانية في كل زاوية من زوايا هذه المسيرة.

موكب نداء الأقصى الفلسطيني في كربلاء

(مؤتمر نداء الأقصى الدولي) هو اسم الحدث الأوّل من نوعه الذي انطلق في كربلاء تزامنا مع الأربعينية هذا العام تحت عنوان “مبادئ النهضة الحسينية ودورها في تحرير القدس وثورة الشعب الفلسطيني”، فالإسلاميون الحسينيون هم في الريادة من أجل تحقيق مبادئ العدالة ومساندة الشعوب المظلومة، وفي مقدّمتها الشعب الفلسطيني الذي يتعرّض لأبشع أشكال الظلم واستلاب الحقوق، إلى جانب اعتبار ما تمثّله ثورة الإمام الحسين وشهادته من نموذج رائد في الدفاع عن الحق والخير وبذل التضحيات في سبيل الإصلاح والانتصار لحقوق المستضعفين.

وهذا العام أيضا كما سابقه شدني مشهد ثلَّةٍ من شيوخ الدين الفلسطينيين بالاضافة الى ضيوف المؤتمر شاركوا بالفعل في مسيرة الأربعين، ونصبوا قرب كربلاء موكباً بعنوان “موكب نداء الأقصى” فيما شهد المكان عرضاً فنياً لصور شهداء الانتفاضات والفصائل الفلسطينية بمختلف راياتها، وما أجمل مشهدهم! فوحدة المقاومة الإسلامية بكل محاورها يبدأ من الاستلهام من حفيد رسول الله محمد”ص” كما رفعت شعارات تحرير فلسطين والقدس والتأكيد على مركزية القضية الفلسطينية، مشهدٌ أغاظ المحتل الأمريكي، وأذنابه في العراق، وهاجمته وسائل الإعلام المتصهينة والمتسعودة وقد أغلق الفيس بوك صفحتي بالكامل بعد 14 عام على إنشائها العام الماضي؛ لأنَّني فقط أشرت وروَّجت لهذه المشاركة! ما يعني أنَّ الحزب الإسرائيلي العالمي متحسّسٌ من الإلهام الحسيني، وخاصَّة للفلسطينيين، والخطر أيضاً وحدة الروح الإسلامية تجاه ذلك، وأن يشارك فلسطينيون في إحياء ثورة الحسين ونهضته رغم العقبات، والتحديات مُلَّبين نداء ابن بنت رسول الله (هيهات منا الذلة) الشعار الذي ألهم الإنسانية، رفض الظلم والخضوع، فهو المارد المرعب على كيان الاحتلال، ومن ورائه كلّ قوى الاستكبار، فثورة الحسين “ع”لمن وَعيَها ملهمةً تصنع الأحرار والبطولة، وتفجّر في كوامن النفس التضحية والفداء في مواجهة المغتصبين والمحتلين.

أخيرا فانني أتعجب من بعض من يلومنا ويعاتبنا حتى على مشاعر الحزن على شهيد بمكانة ومقام الحسين كما رأيت على وسائل التواصل الاجتماعي بينما في المقابل تجد هؤلاء المنتقدين أنفسهم، وأعرف بعضهم شخصيا، يتفاعلون ويبدون التأثر، ولا يبخلون بدموعهم مع احداث فيلم سينمائي لا واقع له، أليس هذابالنسبة للمسلمين عموما ولكل احرار العالم ظلم جلي؟ يبدون مشاعرهم مع أحداث فيلم في حين يتعاملون مع مجريات كربلاء التي هي فوق التشكيك والمتواترة تاريخيا بعدم اكتراث؟ّ! وهل هكذا هي المودة لقربى رسول الاسلام”ص”؟

[email protected]

Print This Post